سؤال حائر طالما تردد في أذهان وقلوب البشر، ردد صداه تاريخ الإنسانية:
"كيف يتبرر الإنسان أمام الله؟"
إنه موضوع كل إنسان على اختلاف الجنس واللغة والدين
كيف أكون مقبولاً لدى الله؟
إن الله القدوس البار يكره الخطية، ولا يقبل أن يكون في علاقة مع إنسان خاطئ، مع أنه في نفس الوقت محب ورحيم وغفور. ولكن الله لا يغفر ولا يرحم بغضّ النظر عن اعتبارات برّه وعدله التي لا بد وأن تقتص من الإنسان الخاطئ "لأن أجرة الخطية هي موت".
لقد دخلت الخطية للإنسان فصار خاطئاً عاصياً مذنباً، ونجست الخطية الإنسان فصار نجساً، وفصلت بينه وبين الله (وهو الحياة)، فصار ميتاً روحياً، واستحق الموت الأبدي.
محب
[center]الله
عادل
رحيم
قدوس
غفـور
بار
الخطية
نجس ميت
الإنسان
خاطئ مذنب
أين الطريق إذاً؟
وهل يمكن أن يُقْبَل إنسان خاطئ، مذنب، نجس، ميت أمام الله القدوس العادل؟
إن للإنسان طرقه التي يحاول أن يصل بها إلى الله.
وأول هذه الطرق هي الأعمال الحسنة
من صلاة وصدقة زيارة الأماكن المقدسة.. وغيرهما مما يمكن عمله.
ولكن يبقى السؤال: هل تقدر هذه الأعمال أن تُبرر الإنسان أمام الله؟ إن الأعمال التي قد تبدو حسنة أمام الناس ليست كذلك أمام الله.
فالإنسان ينظر إلى العينين، أما الرب فإنه ينظر إلى القلب. وماذا يجد الله في القلب سوى نجاسة الخطية وشناعتها؟
وهل يقبل الله عملاً خارجاً من قلب وكيان نجستهما الخطية؟
إن العمل دائماً يتصف بصفات المصدر، لذا فإن أعمال برنا هي نجاسة في نظر الله.
هب أني أعطيتك تفاحة ليس بها عيب... ولكن قدمتها لك بيد قذرة.. فهل تقبلها مني؟
إن كان جوابك لا... فهل يقبل الله عملاً – مهما كان حسناً - من إنسان نجس؟ فالإنسان عاجز عن فعل الصلاح.
لكن دعونا نفترض جدلاً أنه استطاع أن يعمل حسناً، أيُحسب هذا العمل تفضّلاً؟ أم واجباً بحيث يُعدّ التقصير فيه خطية؟
وعلى فرض أن الإنسان استطاع أن يعمل أعمالاً حسنة، هل هذه الأعمال كافية للتكفير عن خطاياه السالفة ومنحه غفراناً إلهياً؟
دعونا نفكر ونزن ليس كل السيئات، بل سيئة واحدة أمام كل ما يستطيع الإنسان أن يعمله من أعمال حسنة.
إن الخطية تُقاس بالشخص الذي أُخطئ ضده، بحيث يُحسب الخطأ بالكبير كبيراً، وحيث أن خطايانا هي في الأصل كسر لشرع الله، فهي موجهة أساساً ضده تعالى.
وحيث أن الله غير محدود في عظمته، فخطية واحدة ضد الله غير محدودة. أما كل ما نعمله من أعمال، فهي صادرة من إنسان محدود فهي محدودة في قيمتها.
وهنا نقول هل يستقيم ميزان في إحدى كفتيه خطية غير محدودة وفي الأخرى أعمال محدودة؟! إلى أي جهة يميل؟
إن أعمالنا غير مجدية للتكفير عن خطايانا ولقبولنا لدى الله.
الطريق الثاني هو التوبة
لكن دعونا نسأل مع ماذا تتعامل التوبة؟
مع الماضي؟ أم أنها تتعامل مع المستقبل؟
الحقيقة أن لسان حال التائب "إنني لن أعملها مرة أخرى"، ولو أنه يعود ويعملها.
حسناً... ولكن ماذا عن الخطايا التي عُملت بالفعل؟
دعوني أوضّح فكرتي:
هب أن مجرماً قاتلاً مَثـُل أمام العدالة نادماً على ما اقترفت يداه، معلناً توبته وواعداً ألا يقتل إنساناً أبداً.. هل يقضي القاضي ببراءته ويأمر بإطلاق سراحه؟ كلاّ، بل يقول له: "حسناً لقد تُبْتَ، ولكن ماذا عن القتيل الذي قتلت؟"
هل نظن أن الله القدوس أقلّ عدلاً من القاضي البشري؟ حاشا. فمع أن التوبة مطلوبة لكنها وحدها لا تكفي.
إذاً ما الحل؟
إن كانت الأعمال لا تُجدي، والتوبة لا تكفي، وليس لدينا طريق آخر، لكن الله عنده الطريق..
إنه الفداء... الذي يوفي مطالب الله العادلة ويفتح باب الغفران للإنسان.
ولقد أوضحه الله لنا رمزياً في قصة فداء ابن إبراهيم:
إن الحل كان من عند الله، فالله هو الذي رتب الفداء، ممثـَّلاً في هذا الكبش الذي قدمه إبراهيم فداء عن ابنه... وقد كان ذبحاً عظيماً!! فالعظمة ليست في الكبش، بل في قيمة الفداء عند الله.
ولكن... هل يكفي الكبش، أو أية ذبيحة حيوانية أخرى لفداء الإنسان؟
كلا، فإن قيمة الحيوان أقل من قيمة الإنسان، وما الذبيحة الحيوانية إلا رمزاً فقط للفداء الحقيقي.
فقد أمر الله في القديم بتقديم الذبائح ليعلم الإنسان شيئاً عن قداسته، وعن كراهيته للخطية.. لكي يعترف الإنسان بخطيته وأنه يستوجب الذبح جزاء خطاياه.
لكن، من هو إذاً الفادي الحقيقي؟ وما هي الشروط الواجب توافرها فيه؟
أولاً: يجب أن يكون إنساناً لكي يكون بديلاً عن الإنسان، فإن ما هو أقل قيمة لا يكفي. يمكن للأعلى أن يفدي الأقل ولكن الأدنى لا يكفي لفداء الأعلى.
ثانياً: يجب أن يكون هذا الإنسان بلا خطية وإلا استحق الموت جزاء خطاياه الشخصية..
ثالثاً: يجب أن تكون قيمته غير محدودة بحيث تغطي قيمته كل البشر لأن كل البشر يحتاجون إلى الفداء.
رابعاً: يجب أن يكون الفادي غير مخلوق: لماذا؟... لأنه لو كان مخلوقاً لكانت نفسه ملك خالقه، ولم يكن له الحق أن يضع ذاته فداء لآخرين ولا أن يضحي بما لا يمتلكه